سورة المائدة - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


يحاربون الله: الذين يتعدون على الناس بالقتل والنهب وترويع الآمنين، ويخرجون على أحكام الشرع، ويفسدون في الأرض بقطع الطريق أو نهب أموال الناس.. والاحتكارُ ضربٌ من الهب. وعقابهم على اربعة انواع: إما القتل أو الصلبن، أو تقطيع الايدي والأرجل من خلاف. (أي ان تُقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى أو العكس) أو النفي من البلد الذي هم فيه. والعقوبة اللازمة على قدر الجريمة المقترفة، وولادة المسلمين عن حقٍّ وجدارة هم الذين يقضُون في ذلك.
والحكمة في عدم التعيين والتفصيل أن المفاسد كثيرة تختلف باختلاف الزمان والمكان، فيختلف ضررها كذلك فللإمام الّذي يختاره المسلمون ان يقتلهم ان قتلوا، أو يصلبهم ان جمعوا بين أخذ المال والقتل، أو يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ان اقتصروا على أخذ المال، أو أن يُنْفَوا من الأرض ان أخافوا الناس وقطعوا عليهم الطرق ولم يقتلوا.
ان ذلك العقاب ذلّ لهم وفضيحة في الدنيا ليكونوا عبرة لغيرهم من الناس، وجزاؤهم عذاب عظيم في الآخرة.
ثم استثنى ممن يستحقون العقوبة من تاب قبلَ ان يقدر عليه الحاكم. فإن عقوبة الحاكم تسقط عنه، وتبقى حقوقُ العباد، أو الحقوق الخاصة، فهي لا تسطق عنهم الا إذا سامح أصحاب الحقوق. فاذا رأى الحاكم ان يُسقط الحق الخاص عن الجاني التائب، ولمصلحةٍ هو يراها وجب على ذلك الحاكم ان يعوض اصحاب الحقوق من مال الدولة.
وفي هذا الحكم بيانُ ان الشريعة الاسلامية تنظر إلى آثار الجريمة التي فيها اعتداء مباشر على المجتمع، وتجعل العقوبة بقدر ما تحدثه الجريمة من اضطراب فيه، لا بقدر ذات الجرائم المرتكبة فقط.
ويُروى في سبب نزول هاتين الآيتين أن نفراً من قبيلة عُكل وعرينة قدموا المدينة، واعلنوا الاسلام، فأمر لهم النبيّ بعدد من الإبل وراعٍ، وأمرهم ان يقيمووا خارج المدينة، فانطلقوا حتى إذا كانوا بناحية الحَرَّة كفروا بعد إسلامهم، وقتلوا الراعي وهربوا بالابل. وحين بلغ النبيَّ بعث بعض أصحابه فأدركوهم، وأحضروهم إلى المدينة. فعاقبهم الرسول الكريم أشد عقاب وقُتلوا جميعاً.
وعلى كل حال فإن العبرة بعموم اللفظ. وقد احتج بعموم هذه الآيات جمهور العلماءِ وقالوا: إن حكْم الذين يحاربون الله قائم، في أي مكان حصل منهم الاعتداء، في المدن والقرى، ام خارجها، لقولهن تعالى: {وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فَسَاداً}. وهذا مذهب مالك والأوزاعي واللّيث بن سعد، والشافعي واحمد بن حنبل. وزاد مالك فقال: إن الذي يحتال على الرجل حتى يُدخله بيتاً فيقتله ويأخذ ما معه انما قد حارب الله، دمُه مهدور، يقتله السلطان، حتى لو عفا عنه أولياء المقتول. وقال أبو حنيفة وأصحابه: لاتكون الا في الطرق وخارج المدن.


تقوى الله: طاعته واجتناب ما نهى عنه الشرع. الوسيلة: ما يتوسل به الإنسان إلى ثواب الله، والفعل (وسل) بمعنى تقرَّب، واسمٌ لأعلى منزلة في الجنة. الجهاد: من الجهد والمشقة. سبيل الله: كل معمل في طريق الخير والفضيلة وفي الدفاع عن العقيدة والوطن، فكل عمل في هذه الأمور هو جهاد في سبيل الله.
بعد أن ذكَر الله تعالى ان اليهود قد هموا ببسْط أيديهم إلى الرسول الكريم حسداً منهم لقوله، وغروراً بدينهم وأنفسهم أمر المؤمنين ان يتّقوا ربهم. وذلك باجتناب نواهيه، والتقرب إلى ثوابه ومرضاته بالايمان والعمل الصالح. ثم أمرهم ان يجاهدوا في سبيله بإعلاء كلمته، ومحاربة اعدائه، كل ذلك للفوز بالفلاح.
اما الوسيلة التي هي منزلة من اعلى منازل الجنة فقد وردت في الأحاديث الصحيحة عن عدد من الصحابة الكرام.
روى البخاري وأحمد وأصحاب السنن عن جابر بن عبدالله ان النبي عليه الصلاة والسلام قال: «من قال حين يسمع الأذان: اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آتِ محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، حلّت له شفاعتي يوم القيامة».


ان الذين جحدوا ربوبية ربهم، وعبدوةا غيره، وماتوا على كفرهم لن يستطيعوا افتداء أنفسهم أبداً، فلو ملكوا ما في الأرض كلها وضِعفه معه وأرادوا ان يجعلوه فدية لأنفسهم من عذاب يوم القيامة لما قَبل منهم ذلك، ولا أخرجهم من النار. فلا سبيل إلى خلاصهم من العقاب.
روى مسلم والنسائي عن أنس بن مالك أن رسول الله قال: «يؤتى بالرجل من أهل النار فيقال له: يا ابن آدم، كيف وجدت مضجعك؟ فيقول: شر مضجع. فيقال: هل تفتدي بتراب الأرض ذهباً؟ فيقول: نعم يا رب، فيقول الله تعالى: كذبتَ، سألتُك أقلَّ من ذلك لم تفعل، فيؤم به إلى النار».

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12